الإعجاز في ماء زمزم
مقدمة:
كثيرة هي الآيات التي تدلنا على عظمة خالقنا, وكثيرة هي الأدلة على ذلك، ألا أننا قد نتناسى أقرب الآيات إلينا مسافة ومشاهدة، وفي هذا البحث سنتناول أهم شيء للحياة وهو الماء، وليس كل ماء بل هو ماء زمزم فهو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس, وهو هزمة جبريل, وسقيا الله إسماعيل(1).
وقبل أن نتناول الموضوع من ناحية علمية كان لابد من التعريف بماء زمزم، بداية، وأسراره، ونصوص الوحي التي ذكرته وحضت عليه، حيث تقع بئر زمزم المباركة بجوار باب بني شيبة، وبينها وبين الحجر الأسود 18 متراً، وقد عرفت منذ زمن إسماعيل عليه السلام، حين كانت أمه (هاجر) تبحث عن الماء لإرواء عطشه بين الصفا والمروة، عندما أمر الله تعالى أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أن يسكن ذريته بوادي مكة، ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم : 37] فأنعم اللّه عليها وعلى ابنها بنبع الماء، ففرحت هاجر وأدارت حوله حوضاً وأخذت تزمه، ولذا سميت (بئر زمزم)، ثم طمست البئر في عهد (جرهم) وزالت معالمها إلى أن شاهد عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا في المنام تبين له مكان البئر، فحفرت وكان ذلك قبل ميلاد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، وبعد مئات السنين من حفرها قامت المملكة العربية السعودية بأضخم عملية تنظيف للبئر، ووضعت خارطة دقيقة لأبعادها ومصادر تغذيتها بالمياه، واهتم المسلمون منذ أيام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا بماء زمزم، وحرصوا على الشرب منه اتباعاً لسنة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم(2).
الأحاديث الواردة في الموضوع:ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها طعام طعم"(3), وزاد غير مسلم بإسناده: "وشفاء سقم"(4).
عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ماء زمزم لما شرب له"(5).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام يصبح يتدفق ويمسي لا بلال بها"(6).
وعن عبد الله بن الصامت من حديث طويل لأبي ذر رضي الله عنه جاء فيه: فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع(7).
وعن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم"(
.
خصائص ماء زمزم: إذا أردنا أن نعدد خصائص ماء زمزم من حيث امتيازه عن غيره من المياه أو من حيث مقارنة البئر التي ينبع منها بغيرها من الآبار فيمكن إجمال الخصائص بالآتي:
إن هذا البئر العظيم لم ينضب أبدا منذ أن ظهر للوجود بل على العكس فهو يمدنا بالمزيد من الماء ومن ذهب لبيت الله الحرام سيدهش من كثرته وكفايته لجميع الحجاج، وهو لا يزال يحتفظ بنفس نسب مكوناته من الأملاح والمعادن منذ أن ظهر للوجود حتى يومنا هذا.
كمايتميز ماء زمزم بوفرته رغم كثرة زوار بيت اللّه الحرام، إذ بلغ متوسط المستهلك منه في اليوم السابع من شهر ذي الحجة خلال السنوات الماضية نحو عشرة آلاف متر مكعب في الساعة، وكان ماء زمزم قد انخفض في القرون الماضية عدة مرات، وذكر المؤرخون أن ماء زمزم انخفض بشكل كبير عام 223 وعام 234 للهجرة حتى كاد يجف، وتمت زيادة عمق البئر تسعة أذرع في الأرض، وأرسل اللّه سبحانه وتعالى الأمطار والسيول عام 235هـ، فكثر ماء زمزم، وتمت زيادة أخرى في البئر في خلافة هارون الرشيد والمهدي وفي عهود عديدة بعدهما، وفي 14 ربيع الثاني عام 1399هـ سجل عمق الماء في البئر 15.6 متر, وذلك خلال القيام بأعمال التوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام وما تبعها من أعمال حفر حول بئر زمزم.
إضافة لصلاحيته للشرب لجميع الحجاج من جميع أنحاء العالم، فلم يحدث أن اشتكى مخلوق من أثر مياهه على صحته أو ما شابه ذلك، بل على العكس فهم دائما ما يستمتعون بالمياه التي تنعشهم على الدوام، ولكن يلاحظ أن مذاق المياه يتغير عندما تنتقل إلى مكان آخر، وكذلك الرغبة لماء زمزم عالمية، فهذه المياه الطاهرة لم يتم معالجتها كيميائيا أو بمواد التبييض كما هو الحال مع المياه التي تضخ للمدن(9).
ويلاحظ أنه في حالة الآبار العادية يزداد النمو البيولوجي والنباتي في داخل البئر مما يجعل المياه غير صالحة للشرب نظرا لنمو الطحالب مما يسبب مشكلات في الطعم والرائحة، ولكن في حالة بئر زمزم، لم يكن هناك أي دليل على النمو البيولوجي(10).
كما تظهر نتائج تحاليل ماء زمزم لمركز أبحاث الحج بجامعة الملك عبد العزيز كما ذكر في كتاب (وصايا طبيب) والتي تؤكدها نتائج تحليل مختبر مصلحة المياه والصرف الصحي بالمنطقة الغربية لعام 1400 هجرية كما وضحها كتاب (عالج نفسك بماء زمزم) ومن التحاليل الكيماوية يتبين أن ماء زمزم نقي لا لون له ولا رائحة، ذو مذاق رائح قليلاً، اسه الهيدروجيني(7.
وبذلك يكون قلوياً إلى حد ما ويحتوى على تركيزات عالية من الصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم والمعادن الأخرى ولكنها تقع ضمن مقاييس منظمة الصحة العالمية ماعدا الصوديوم فهو مرتفع.
ومن الجدير بالذكر أن العناصر السامة الأربعة وهي الزرنيخ والرصاص والكادميوم والسيلينيوم توجد فيه بأقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للاستخدام البشرى، ومن المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية وجد أن ماء زمزم خالية من الجراثيم ويؤكد هذا كتاب (المعتمد في الأدوية المفردة) حيث يقول: إن أفضل المياه مياه العيون في الأرض الحارة، التي لا يغلب على تربتها شيء من الأحوال والكيفيات الغربية، ويكون طين مسلكها حراً، لا حمأة فيه ولا سبخة ولا غير ذلك فإن الطين يأخذ منه اللزوجات الغريبة، أو تكون حجرية فتكون أولى بأن لا تعفن عفونة الأرضية(11).
مما تقدم يتضح لنا أن ماء زمزم قلوي غنى بالمعادن المفيدة للجسم ويوضح كتاب (التوازن الحمضي ـ القلوي في الصحة والمرض) فوائد شرب الماء القلوي المتأين حيث يمد الجسم بقدر كبير من الطاقة ويعادل الأس الهيدروجيني للجسم ويزيل الفضلات الحمضية من الجسم، كما أنه مضاد قوى للأكسدة ومزيل قوى للسموم (يمنح الالكترونات لذرات الأكسجين النشطة الحرة).
كما يساعد على امتصاص العناصر الغذائية بكفاءة أفضل إلى داخل الجسم ويساعد الجسم في تمثيل المعادن المؤينة بسهولة أكبر، بالإضافة إلى أنه يساعد على تنظيم الهضم وتحسينه بصفة عامة بإعادة التوازن للجسم، ويقلل من تأكسد الأعضاء الحيوية ويدمر خلايا السرطان، وله معامل أكسدة واختزال سالب لذلك يعد وسطاً معادياً للبكتيريا (12).
ومن الجدير بالذكر أنه أثناء التعرض للجو شديد الحرارة يحدث نقص في كل من الصوديوم والبوتاسيوم في سير الدم ومع المجهود الشديد يزيد معدل الفقد في كل من الصوديوم والبوتاسيوم مع زيادة كمية العرق، وهذا قد يفسر ارتفاع الصوديوم في ماء زمزم عن المعدل المسموح به لتعويض هذا النقص حيث الجو شديد الحرارة في هذه الأماكن المقدسة (13).
هل تختلف المياه عن بعضها ؟
إن المياه تختلف عن بعضها البعض ابتداءًا ولكن بسبب ما يخالطها من مواد ونباتات وتربة، وليس من حيث مكوناتها الذاتية، فالماء عنصر سائل خلقه الله تعالى وسخره لخلقه لا يعدو عن كونه مكون من جزيء الهيدروجين والأوكسجين.
إن أنواع المياه الموجودة في الطبيعة هي كما ذكرها هيرمان اهيرا في كتابه (التوازن الحمضي - القلوي في الصحة والمرض) على أنواع نذكر منها:
1– مياه البلدية (مياه الصنبور): وهي مياه معظمها صالح للشرب باستثناء أن مياه الصنبور في العصر الحالي تحتوى على بكتيريا وفيروسات ومعادن عضوية وغير عضوية مما يجعل الماء عسراً، بالإضافة إلى احتوائه مواد كيماوية مضافة (الكلور – الفلوريد – سلفات الألومنيوم ...... الخ) مما يسهم في أحداث عدد وفير من العلل والأمراض .
2 – الماء المنقى (المقطر أو المعكوس الازموزى): هو ماء منزوع منه جميع العناصر الموجودة فيه باستخدام عمليات مختلفة بحيث أصبح لا يحتوى سوى المادة الكيميائية H2O، وحيث أن الماء شديد النقاء فهو يمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء مما يجعله حمضياً وأكثر قوة في إذابة المواد التي يلامسها، وعادة ما يحتوى على كمية قليلة جداً من الأكسجين المذاب أو لا يحتوى على الأكسجين إطلاقاً، ولذلك يشار إليه باسم الماء (الميت) وهو يمتص المعادن من جسم الإنسان وتجعله أكثر حمضياً كما أنه يمتص الالكتروليتات (الصوديوم، والبوتاسيوم والكلورايد) والمعادن مثل المغنيزيوم من داخل الجسم، وقد يؤدى النقص في تلك المعادن إلى عدم انتظام ضربات القلب والى ارتفاع ضغط الدم، وأكثر المشروبات السامة التي يتناولها الإنسان (المشروبات الغازية) تصنع من هذا الماء.
3 – المياه الميسرة: ماء منزوع منه جميع المعادن الجيدة وتم استبدالها بكمية من الملح تبلغ ضعف كمية المعادن المنزوعة فهي تحدث خللاً في الأيض وترفع ضغط الدم إلى الدرجة التي يحدث معها نزيفاً من الأنف، لذلك فهي لا تشرب أبداً(14).
4 – الماء المفلتر (المرشح): وهي مياه نحصل عليها باستخدام الفلاتر، وهي وسائل دفاعية حيث إنها تقوم بإزالة بعض الشوائب التي يحتوى عليها الماء قبل شربه، والفلاتر لا تقوم بإضافة شيء إلى الماء وعادة يصبح الماء أكثر حمضياً منه قلوياً بعد عملية الترشيح وبالإضافة إلى ذلك فإن معرفة الوقت المناسب لتغيير الفلتر يعد مشكلة في حد ذاته .
تــــــــــــــــــــابــــــــــــــــــــع